صورة العرب والمسلمين فى السينما العالمية (2)

                                           

تناولنا فى المقال السابق نظرة السينما العالمية للعرب والمسلمين فى الفترة التى سبقت استقلال البلاد العربية من الاستعمار الأجنبي وحتى توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل فى كامب ديفيد الأمريكية، وفى هذا المقال نتطرق لطبيعة الأفلام السينمائية التى أنتجتها السينما العالمية فى الثمانينيات وما بعدها. كما سنشير فى عجالة إلى دور الأفلام التسجيلية فى تشويه صورة العالم الإسلامى والعرببى.

 

لم تغير السينما الأمريكية فى الثمانينيات وما بعدها من موقفها وعدوانيتها تجاه العرب والمسلمين. لقد قام جاك شاهين بإعداد دراسة فى دورية علمية هى مجلة الأكاديمية الأمريكية للسياسة والعلوم الاجتماعية، وهذه الدراسة ترتكز على أكثر من تسعمائة فيلم يصور فيها العرب كأشخاص بلا رحمة ومتخلفين وإرهابيين ومتعصبين دينيا. كما قدم لنا جاك شاهين مجموعة من هذه الأفلام فى مقاله بمجلة العربى الصادرة قى يوليو 1988م. ففى فيلم "يا الهى! أيها الشيطان" (1984م) " يرى المشاهدون جورج بيرنز—الشيطان—يفخر بأن ياسر عرفات ما هو إلا أحد أتباعه". وفى فيلم "حريق سانت بالمو" (1985م) يتم تصوير العرب "على أنهم من ذوى الميول الجنسية الشاذة، وممن يروجون الكوكايين"، وفيلم "مسألة ليست صغيرة" (1985م) يعمل على "تعزيز صورة الشيوخ العرب الذين يقومون بمطاردة الفتيات العذارى"، وفيلم "عودة إلى المستقبل" (1985م) يدور حول "إرهابيين ليبيين يقومون بشراء قطع غيار للعبة (الفليبرز)، ظانين أنها ستساعدهم فى صناعة قنبلة نووية". وفى فيلم "سائق خاص" (1986م) نرى اللص المحتال "وهو يقوم بتوجيه الإهانات للشيخ، وإطلاق التعليقات الساخرة عليه، مثل "صاحب الرأس المغطاة بالمنشفة" و"راكب الجمال" و"كوم من الزبالة"، ويختم تعليقاته الساخرة بقوله:"إن الريح الذى تخرجه الجمال من مؤخراتها تجعلنا أفقد السيطرة على أعصابى." أما أفلام التسعينيات فإنها لا تقدم العرب إلا كإرهابيين يسعون إلى سفك الدماء وتدمير الحضارات وتدبير الانفجارات كما الحال فى فيلم "أكاذيب حقيقية" (إنتاج 1994م). أما أحداث فيلم "الحصار" (إنتاج 1998م) فتبدأ بالقبض على أحد العرب المشتبه فى تورطه فى بعض التفجيرات فى أمريكا.

 

والغريب أن السينما الأسيوية ساهمت أيضا فى تشويه صورة العرب والمسلمين. ويرى محمد حسنين فى مقاله بمجلة العربى الصادرة فى مارس 1989م أن السينما الأسيوية "لم تجد إلا العرب لتهزأ بهم وتسخر منهم، وكأنه ليس هناك سوى العرب ضحية لكل ناعق"، ففى فيلمPenoy Balut   الذى كان يعرض فى الفلبين، "يصور العرب شاذين ساديين": وفى مشهد من مشاهد الفيلم "تنزعج الفتاة لمنظر العربى الكريه عندما تراه،..وتحاول أن توهمه أنها ولد.. فيهجم عليها، قائلاً" الآن أريدك أكثر…!!"

 

وبعد أن استعرضنا سويا بعض الأفلام السينمائية التى ساهمت فى تقديم صورة سلبية عن العرب والمسلمين لا يبقى لنا سوى السؤال الذى يطرح نفسه: هل يلعب التلفزيون الأوروبى والأمريكى أيضا دورا فى تأكيد وترسيخ تلك الصورة التى قدمتها السينما العالمية عن العرب والمسلمين، وهى صورة بغيضة لا يمكن محموها بسهولة من  ذهن المشاهد الغربى؟ والإجابة على هذا السؤال لا يحتاج إلى مجهود، إذ أن الإساءة للعرب لم تتوقف عند الأفلام السينمائية فقط بل أن الأفلام التسجيلية التى يتم تصويرها داخل البلاد العربية تقدم صورة سيئة عن هذه البلاد. وكان إبراهيم حجازى الصحفى بجريدة الأهرام قد تلقى رسالة (الأهرام 18 مايو 2001م) من مواطن مصرى غيور على بلده يسرد فيها الآلام التى أصابته عند مشاهدة أحد هذه الأفلام التسجيلية فى ألمانيا والتى تتناول بلداً عربيا عريقا، وهى مصر. وقد سلط الفيلم الأضواء على الجوانب السلبية فى الحياة اليومية كما يمارسها المصريون وغض الطرف كليا عن الجوانب الايجابية. لقد قام الفيلم بتصوير الأحياء القذرة التى تملأ القمامة شوارعها، كما يعرض الفيلم مشهدا للزار حيث الدماء والطبل والزمر، وفى نهاية خطابه المطول يطلب هذا المواطن من الملحق الإعلامي المصرى فى ألمانيا "التدخل ليذيع التلفزيون الألماني فيلما عن مصر تقدمه مصر كرد اعتبار لكل مصرى..واعتقد أن مطلبى حق ورفضه تعصب وعنصرية!"

 

لقد سعت إحدى الشركات التجارية الخاصة مؤخرا بإعداد برنامج يتضمن تلك الأفلام العالمية التى تهدف إلى تشويه صورة العرب والمسلمين. ولا أدرى أين كان كتاب ومخرجو السينما والتلفزيون المصرى عند إنتاج هذه الأفلام. أتذكر الآن: إنهم كانوا متفرغين لإنتاج الأفلام والمسلسلات الهابطة التى تسخر من مواطنين مصريين أو ربما لا يدركون خطورة الدور الذى تلعبه السينما سواء المحلية أو العالمية. يقول محمد بركة فى مقاله ("العرب والمسلمون فى السينما العالمية") والمنشور فى موقع شبكة المعلومات العربية إن السينما تعد من أخطر "وسائل الاتصال الجماهيرى وتلعب دورا خطيرا وخاصة السينما الأمريكية فى تشكيل الصورة الوجدانية لدى المواطن الغربى عن العرب والمسلمين". ومن المسلم به أن تأثير الأفلام العالمية يمتد إلى المواطنين العرب والمسلمين. تقول الدكتورة سوزان أبو رية فى مقال لها ("دور الإعلام والتحديث") فى جريدة الأهرام الصادرة فى 31 مايو 2001م إنه "لابد من التركيز على الرسالة الإعلامية التى تستهدف تحرير أنفسنا أولا من الصورة التى رسمها الآخرون—أى الغرب—عنا ذلك أن الصورة لم يصنعها الغرب لنفسه ولمواطنيه..بل امتد تأثيرها لنا..". وما يبعث على الحسرة والأسف أن فئة قليلة من الكتاب والمفكرين هم الذين تصدوا لفضح ممارسات السينما العالمية وشركات الإنتاج الفنى التى يهيمن عليها اليهود الأمريكيون.