لماذا تتعاطف أمريكا مع إسرائيل ؟

 

يتعجب مواطنو الدول العربية لأن الولايات المتحدة الأمريكية تتعاطف مع إسرائيل بل لا نبالغ إذا قلنا إن إسرائيل تدين بوجودها وتماسكها طيلة هذه الفترة لهذه الدولة التى أصبحت المتحكم الأوحد فى مصير الشعوب، وخاصة بعد زوال الاتحاد السوفيتي، وقد تلاحظ أيضا أن الدول الأوربية التى تحولت مؤخرا إلى الديمقراطية سارعت بإقامة علاقات دبلوماسية مع الدولة العبرية. يتطلب الأمر دراسة الأسباب التى تدعم هذا التعاطف وهذه المساندة الأمريكية التى تشعرنا بالظلم الواقع على الدول العربية التى فقدت الأمل فى استعادة أراضيها المغتصبة منذ عام 1967م.

 

بداية يجب أن نشير إلى أن صناعة القرار فى الدول المتقدمة لا يتم إلا عبر الناخبين الذين يستطلع السياسيون أراءهم قبل اتخاذ القرارات والمواقف السياسية. والجدير بالذكر أن اللوبى اليهودى يؤثر فى صناعة القرار من خلال تحركه الدؤوب فى اتجاهات عديدة تستهدف أعضاء الكونجرس أو البرلمان   من جهة والناخبين من جهة أخرى. يتولى اللوبى تقديم تبرعات مالية ضخمة لتمويل الحملات الانتخابية لأعضاء الكونجرس مقابل اتخاذ العضو مواقف مؤيدة للإرادة الإسرائيلية ويتوقف اللوبى عن تقديم هذا الدعم إذا ما قرر العضو اتخاذ مواقف محايدة أو مناهضة لهذه الإرادة بل ربما يقرر اللوبى دعم منافسيه بهدف إسقاطه فى الانتخابات التالية.  أما التأثير على الناخبين فيتحقق من خلال عدة وسائل: الوسيلة الأولى هى كبريات الصحف والمجلات التى يسيطر عليها اليهود: مثل مجلة نيوزويك التى تمتلكها وتديرها اليهودية كاثرين جراهام، وكذلك صحيفة الواشنطن بوست  ونيويورك تايمز، وول ستريت جرنال ومجلة التايم، وهذه الصحف والمجلات التى يمتلكها ويديرها الملياردير اليهودي جيرالد ليفين ذات تأثير خاص ليس فقط على المواطنين بل أيضا على صناع القرار فى البيت الأبيض وفى الكونجرس. أما الوسيلة الأخرى فهى الإعلام المرئي والمتمثلة فى التلفاز والسينما. والجدير بالذكر أن اليهود يتحكمون فى أكبر شركات الإنتاج التلفزيونى والسينمائى فى الولايات المتحدة الأمريكية مثل شركة ولت ديزنى التى يمتلكها ويديرها الملياردير اليهودى مايكل ايزنر، وشركة تايم ورنر للإنتاج السينمائى التى يمتلكها الملياردير اليهودى جيرالد ليفين (مالك جريدة الواشنطن بوست ونيويورك تايمز وول ستريت جرنال)، وتلعب هذه الصحف وهذه الشركات دورا مهما فى الدعاية لإسرائيل والتى يقدمونها كواحة للديمقراطية تحاصرها دول دكتاتورية ترفض الحرية والديمقراطية، وهذه المفردات لها قدسيتها لدى القارئ والمشاهد الأمريكي، وثم فإن هذه الأجهزة الإعلامية تلعب دورا مهما فى تشويه صورة العرب والمسلمين وتدعم المواقف الإسرائيلية على طول الخط.

 

 وقد أشار بعض كبار المفكرين إلى هذا التحيز: فالأستاذ رجب البنا يؤكد فى مقالة بجريدة الأهرام الصادرة فى 3 يونيو 2001 أن الإعلام الأمريكي يقدم كل ما يسئ الى العرب والإسلام والمسلمين. ويقول المفكر العربى الراحل الدكتور إدوارد سعيد فى كتابه "تغطية الإسلام" إن وسائل الإعلام الأمريكية وما يحيط بها من أجواء ثقافية وفكرية تعج بافتراءات مكشوفة ومعادية للإسلام ومعادية للعرب. أما الدكتور جاك شاهين فقد قام بتأليف كتاب مهم عنوانه "التلفزيون والعرب". وعلى حد قول الكاتب الكبير أحمد بهجت فإن جاك شاهين كان يهدف من وراء تأليف هذا الكتاب إلى "تجميع الأمريكيين من اصل عربى لمنع تصوير بعض الأفلام المناهضة للعرب.

 

وهنالك طريقة أخرى يلجا إليها اليهود لكسب تعاطف مواطنى الدول المتقدمة وهى التى تتعلق بإثارة ذكريات المحارق والمهالك التى تعرضوا لها إبان الحر ب العالمية الثانية فى الأربعينيات من القرن الماضى. ولبلوغ هدفهم المنشود فإنهم لا يكتفون بالبلاغة والخطابة والشعارات الزائفة بل استطاعوا أن يقيموا متحفا للهولوكوست فى قلب العاصمة الأمريكية واشنطن مما يؤكد عدم جدوى التصريحات الأخيرة للرئيس الإيراني من نكران الهولوكوست، فأثناء زيارتى لمدينة واشنطن فى عام 1995م ذهبت وصديق لى من جامعة المنصورة إلى موقع سلسلة متاحف "اثميثونين" حيث يقبع متحف الهولوكوست، وتوجهنا إلى نافذة بيع التذاكر حيث حصلنا على تذكرتين وفوجئنا بالموظفة تطرح سؤالا علينا عرفت من إجابته أننا مصريان،  فأصرت على رد ثمن التذكرتين ودعتنا للدخول مجانا. وأخذت وصديقى نتعجب تارة ونبحث عن تفسير لهذا التصرف تارة أخرى ولكننا لم نتوصل إلى إجابة شافية إلا بعد أن انتهينا من التجوال داخل المتحف الذى يحتفظ بكل التفاصيل المتعلقة بالمحارق وغرف الغاز والصحف القديمة التى تناولت هذه الأحداث وحتى الملابس التى كان يرتديها الضحايا. ولا يملك زائر هذا المتحف إلا أن يذرف الدموع من هول وبشاعة هذه المشاهد الدامية. لقد كانت الموظفة على دراية تامة بالتأثير النفسى الذى تحدثه مقتنيات هذا المتحف. ومن المؤكد أن معظم الأمريكيين أو الأوربيين قد زاروا هذا المتحف ولم يخرجوا منه إلا بعد أن امتلأت قلوبهم بالتعاطف نحو هؤلاء الضحايا، ثم انعكس هذا التعاطف على مواطنى إسرائيل.

 

هذه بعض الأسباب التى ربما تؤدى إلى تعاطف الأمريكيين مع إسرائيل. وهذا التعاطف ينعكس على المواقف السياسية التى تتخذها الإدارات الأمريكية المتتالية. ومما سبق يتضح لنا أن هذا التعاطف ليس وليد الصدفة ولم يأت من فراغ بل بفضل النشاط الملحوظ للوبى اليهودي وبفضل الأجهزة الإعلامية وشركات الإنتاج الفنى التى يتحكمون فيها وبفضل غياب اللوبى العربى الذى لا نجد له تأثير أو حتى وجود فى دهاليز السياسة الأمريكية. وقد يستطيع العرب أن يحدوا من بوق الدعاية اليهودية إذا ما قرروا التحول نحو الحرية والديمقراطية وبذلك سيدرك العالم أن إسرائيل ليست الواحة الوحيدة للحرية والديمقراطية التى يتشدقون بها.