حجاج أدول ومؤتمر واشنطن

                                                                                  

شارك الروائى النوبى حجاج أدول فى مؤتمر أقباط المهجر والذى أقيم فى واشنطن خلال الشهر الأخير من العام المنصرم، وقد تأرجحت ردود الأفعال فى الصحف بين التشنج وضبط النفس. فهنالك من لجأ الى أسلوب الإسفاف والاتهام بالعمالة والخيانة وأنه لا يمثل النوبيين فى هذا الملتقى، وربما لم يلجا سوى كاتب واحد  فقط إلى الأسلوب العقلانى فى تناول هذه القضية (إذا صحت هذه التسمية). لقد أثبتت التجربة أن هنالك آثار مترتبة على استخدام الأسلوب المتشنج فى تناول مثل هذه الأمور:-

الأثر الأول يتمثل فى احتمالية تعاطف معظم أهالي النوبة مع الكاتب والروائى حجاج أدول، لأن معظم من قاموا بالرد عليه لا يعرفون شيئا عن النوبة وقضاياها والتى لا علاقة لها بالنغمة التى دأب البعض على ترويجها وهى استقلال أهل النوبة عن الوطن. فأهل النوبة قد يشعرون أن من تصدوا لحجاج أدول ينطلقون من مواقف وخصومات شخصية، لذا يكتفون بالهجوم على شخص الكاتب بدلا من محاولة الرد على النقاط المحددة التى يثيرها. أما الأثر الثانى فيتلخص فى أن الأسلوب البدائى فى الرد لم يعد ذا جدوى بل ربما يشعل حماسة الطرف الآخر ويجعله أكثر شراسة.

 

بداية أود أن أوكد ما قلته فى مقالة سابقة: أنني ضد تدويل المشاكل والقضايا المحلية أو القومية، ولكن دعنا نتوقف قليلا لمناقشة الأسباب الحقيقية التى أدت الى مشاركة حجاج أدول فى هذا المؤتمر، وهى الأسباب التى قد نضع أيدينا عليها إذا نحينا جانبا العصبية والتشنج. أولا:- قام بعض قيادات ومثقفى النوبة بإعداد كتيب تتخلله خطابات لكافة المسئولين (رئيس مجلس الوزراء ومحافظ أسوان) يلخص جملة المشاكل التى تؤرق أهالى النوبة منذ فترة طويلة. ومن الواضح أن المسئولين الذين تسلموا هذا الكتيب لم يكن لديهم الوقت حتى لمجرد الاطلاع عليه. ثانيا:- علمت أن مثقفى النوبة بالإسكندرية وعلى رأسهم حجاج أدول كانوا بصدد إقامة مؤتمر فى عام 2004م  لمناقشة قضايا المجتمع النوبى والصعوبات التى تواجهه ولكن أسباب مجهولة أدت إلى إلغائه. فلو استطاع حجاج أدول أن يعبر عن آرائه (بصرف النظر عن مواقفنا تجاه هذه الآراء) فى مؤتمر الإسكندرية لما اتجه الى الخارج. ثالثا:- رغم أن حجاج أدول تناول بعض القضايا التى تؤرق النوبيين إلا أنه قد جانبه الصواب فى أمور أخرى تناولها فى بيانه: فمثلا لم يكن محقا فى ادعائه أن النوبيين يتعرضون للاضطهاد المنظم الذى تباركه الحكومة، فهذا لا يتفق مع الواقع، إذ أن مصر لم تمارس التفرقة العنصرية على مر تاريخها المديد، كما جاء فى كتاب جمال حمدان (شخصية مصر). ولكن من الإنصاف أن نشير إلى وجود عنصريين فى مجال الإعلام والسينما، فمثلا دأب بعض القائمين على السينما والمسلسلات التلفزيونية على تصوير النوبيين فى إطار معين واعتادوا على السخرية من أهالى النوبة لتغطية أعمالهم الهابطة والمسروقة من السينما العالمية. وقد سبق لحجاج أدول  أن استنجد بوزير الإعلام الأسبق عبر جريدة الوفد فى 20 فبراير 2001م (لاحظ أنها جريدة الوفد المصرية وليس عبر الواشنطن بوست) شاكيا تجاهل أهل النوبة فى الأعمال الفنية التى تقدم على شاشة التلفاز، وفيما يلى نص الرسالة التى أرسلها حجاج لوزير الإعلام عبر جريدة الوفد:

                          وأنا كمواطن نوبى، متى أرى نفسى على شاشة تلفزيون بلدى؟

                          فأنا لست مجرد "ديكور" فى الفيديو كليب ولا بعض "فلكلور":

                          تسالى يا لب، أنا مواطن مصرى لى همومى واحتياجاتي النفسية

                         و آلام تضايقنى وتبث فى "العصبى" بعيد عن القارئين،..وقرأنا منذ

                         سنتين أن المسئولين فى التلفزيون وافقوا على إنتاج مسلسل عن

                        النوبة تأليف كرم النجار، ثم نام الموضوع، فهل الفيلم يحتاج إلى

                        أمر الوزير شخصيا مثلما كان فى مسلسل "آوان الورد"؟

                  

فماذا كان رد جهاز الإذاعة والتلفزيون على هذه النداءات والصرخات؟ الرد كان عبارة عن مسلسل تلفزيونى يحمل أسم "حروف النصب"، بيد أنه لم ينتج لرد الاعتبار للنوبة والنوبيين، بل أن هذا المسلسل التلفزيونى والذى كان يذاع خلال شهر إبريل 2001م أخذ يسخر من النوبيين ويعايرهم بلون بشرتهم السوداء مما دفع الدكتورة ملكة زرار إلى الرد بعنف فى جريدة (الأسبوع) الصادرة فى 30 إبريل 2001م حيث أعربت عن أسفها وندمها لعدم اهتمام الأجهزة الرقابية بمنع هذه السقطات التى يمكن أن نطلق عليها الدعارة التلفزيونية. وكذلك كتب الروائى حسن نور فى جريدة الوفد الصادرة فى 14 مايو 2001م معبرا عن استياءه وغضبه تجاه هذا المسلسل الذي "تعرض فيه كاتبه لأهل النوبة بطريقة مستفزة لمشاعرهم".

 

وفى رأى فان ثقافة التجاهل التى يعتنقها بعض المسئولين هى التى دفعت حجاج أدول بعيدا ليصرخ فى واشنطن. فقد اغلق المسئولون الأبواب فى وجهه، ولم يستطع أن يقنع القائمين على التلفزيون والسينما بأن يتقوا الله فى أهالى النوبة التى يسيئون إليها فى أعمالهم المبتذلة والتى تفتقر إلى الذوق والفن. وإننى على يقين بأن الرئيس حسنى مبارك حريص كل الحرص على كرامة وحقوق مواطنيه ويسعى دائما إلى إنصافهم ورفع الظلم الواقع عليهم. لذلك يرفض معظم أهل النوبة الاستقواء بالخارج ويرى الكثيرون أن بمقدورهم التعبير عن آرائهم عبر الصحف القومية والحزبية والمستقلة والتى تتمتع بحرية تعبير غير مسبوقة فى تاريخنا الحديث والمعاصر ومن المؤكد أن أصواتهم وآراءهم ستصل الى مسامع الرئيس.