حول نتائج الانتخابات النيابية فى مصر: مصادفة أم حصاد؟

                                                                       

 

إن التجربة الانتخابية التى خاضتها مصر مؤخرا لها سلبياتها وإيجابياتها بيد أنها كانت تجربة مختلفة عن كل التجارب السابقة سواء فى الإجراءات المتبعة فى عملية الاقتراع والفرز أو فى النتائج التى أسفرت عنها. فمن المسلم به أن هذه الإجراءات التى تمت تحت الإشراف القضائى التام أو غير التام قد جعلت الناخبين يدركون أن أصواتهم لن تضيع سدا وأن جهودهم لن يبددها محترفو التزوير ومعدومو الضمير، بيد أن ما جعلنا نصاب بالدهشة هى تلك النتائج التى لم يتوقعها أى خبير سياسى أو غير سياسى وهى التى تتعلق بتفوق جماعة الأخوان المسلمين على أنفسهم وعلى سائر أحزاب المعارضة وحصولهم على 20% من مقاعد مجلس الشعب. فقد حققت هذه الجماعة محظورة كانت أم غير محظورة على أضعاف ما حصلت عليه من مقاعد فى الدورات السابقة. وأخذت الأقلام والأصوات تعلو هنا وهناك لتقدم مبررات وتفسيرات لهذا التفوق.

 

وفى رأى فان الإنجاز الذى حققته هذه الجماعة التى تتسم بالقدرة على تنظيم أوراقها ومعرفة الطريق إلى قلوب الناخبين لا يعنى أن هذا الشعب يتعاطف مع أفكار هذه الجماعة، ولكن هنالك تفسيرات أخرى ربما لا يرغب الإعلاميون أو رجال الحزب الوطنى التطرق إليها أو الخوض فيها. فإذا كنا  نتحدث عن نتائج فإن الأمر يتطلب توضيح المقدمات التى أدت إليها: أولا:- يأس الناس من رؤية نفس الوجوه التى لا تظهر إلا فى موسم الانتخابات، وجوه لا تتغير وتسوق نفس وعود الدورات السابقة. فهنالك نواب لا يصحون من نومهم إلا مع انطلاق الأجراس التى تشير إلى انتهاء الدورة البرلمانية، عندئذ يتذكرون أن لهم دائرة انتخابية فينطلقون إليها وفى جعبتهم نفس الوعود السابقة. أعرف نائبا كان يمثل إحدى الدوائر الانتخابية فى محافظة أسوان لم يراه الناس إلا فى الشهر السابق للانتخابات.  ثانيا:- قيام الحزب الوطنى بترشيح شخصيات تدور حولها الشبهات بل ربما كان بعضهم رهن التحقيق والمحاكمة مما جعل الناخب يستشعر أن هذا الحزب غير جاد فى محاربة الفساد. ثالثا:- ربما أدى صراع الأفكار داخل الحزب الوطنى إلى تناقض فى المواقف والرؤى وجعل الحزب الوطنى لا يتحرك وفق مبادئ ثابتة تساعده فى كسب ثقة المواطنين: فهذا الحزب يقوم بفصل المنشقين ولا يردهم إلى حظيرته إذا رسبوا فى الانتخابات. أما إذا فاز أحد هؤلاء المنشقين فان الحزب لا يتوانى فى ضمه الى صفوفه. وقد حدث فى انتخابات مجلس الشعب (2000م) أن انشق بعض أعضاء الحزب فى محافظة أسوان وقاموا بترشيح أنفسهم مستقلين، وفاز من فاز وفشل من فشل. فماذا فعل الحزب الوطنى؟  قام الحزب بفصل الفاشلين وضم الناجحين إلى صفوفه. وقد فوجئنا بالحزب الوطنى فى انتخابات هذا العام يتخلى عن ترشيح من تم ضمهم وترشيح الأعضاء الذين فشلوا فى المرة السابقة. رابعا:- يدرك الناخبون مدى ارتباط الحكومة بالحزب الوطنى ومن ثم فان الحزب الوطنى يدفع ثمن الأخطاء التى تحدث من الحكومة أو من يمثلونها. وهذا الثمن يتمثل فى نفور الناخبين من ممثلى الحزب، وهو النفور الذى أدى إلى فوز واحد فقط من ستة مرشحين للحزب الوطن فى محافظة أسوان. فبالرغم من أن رجال الشرطة أدوا ومازالوا يؤدون دورا مهما فى استقرار وأمن الوطن إلا أن بعض من ينتمون إلى صفوفه يغتالون هذا الدور. فمثلا تجد الجنود وأمناء الشرطة فى بعض نقاط التفتيش سواء الثابتة أو المتحركة يوقفون سيارات الأجرة والنقل ليتلقى أحدهم المعلوم ويدسه فى جيبه دون خجل وعلى مرأى ومسمع من الركاب ومن أصحاب السيارات  الأخرى التى تنتظر حتى تنتهى هذه المشاهد المخزية بل يقوم بعض هؤلاء الأفراد الذين ربما لا يعرف معظمهم القراءة والكتابة بفحص رخصة سيارتك بطريقة لا تخلو من الصلف والتعالى لتنطلق بسيارتكإذا نجوت من هذه الأكمنة لاعنا هذا الزمن الأغبر الذى انتشر فيه الفساد لهذه الدرجة. كما تجدر الإشارة إلى أن أبناء بعض الشخصيات الحزبية-الحكومية تستغل نفوذ الأباء فى الحصول على امتيازات تحقق من وراءها الثروات ولم يعد الأمر سرا على المواطنين كما كان الحال فى الماضى، إذ تتمتع صحافتنا الحزبية والمستقلة بالحرية الكافية لكشف هذه الممارسات التى توغر صدر المواطنين تجاه هذه الشخصيات الممثلة للحكومة. ومن المؤكد أن مثل هذه المشاهد والذكريات تتراقص أمام أعين الناخبين وهم فى طريقهم إلى اللجان الانتخابية مما يدفعهم إلى اختيار شخصيات لا تنتمى إلى حزب الحكومة التى لا تتدخل لوقف تلك الممارسات غير الطيبة فى حقهم.

 

هذه بعض مواضع الخلل التى فى حاجة إلى علاج وإصلاح إذا كان الحزب الوطنى جادا فى استعادة وكسب ثقة المواطنين. ومما سبق نستطيع أن نقول إن التفوق الملموس الذى حققته جماعة الأخوان المسلمين لا يعكس بالضرورة تعاطف الناخبين مع أفكار ورؤى هذه الجماعة ولكنه يعكس رغبة المواطنين فى تحقيق تغييرات واضحة فى كافة الأحوال المعيشية التى يعيشون فى ظلها.