العلاقات المصرية السودانية: إلى أين؟

هنالك مقولة يتداولها بعض المثقفين بيد أننى لست متأكدا من صحتها: يعلم السودانيون عن مصر أكثر مما يعلمه المصريون عن السودان. ربما كان ذلك صحيحا ولكن ما أعلمه عن السودان يتلخص فى النقاط المهمة التالية:

السودان من أكبر الدول الأفريقية (وعددها ثلاث وخمسين دولة) مساحة حيث تبلغ مساحته أكثر من ربع مساحة الولايات المتحدة الأمريكية. والسودان له حدود مع تسع دول إفريقية وحدودها مع مصر تمتد نحو 1273كم. وهنالك نيلان فى السودان: النيل الأبيض والنيل الأزرق. وتعد البحيرات العظمى هى منبع النيل الأبيض. أما النيل الأزرق فمنبعه بحيرة تانا فى أثيوبيا والتى تعد المصدر الرئيسى لنهر النيل فى مصر والسودان (85%).  والجدير بالإشارة أن عدد سكان السودان  يبلغ حوالى 39 مليون نسمة، و حوالى 70% من السكان يعتنقون الإسلام ويقطنون فى الجزء الشمالى. أما باقى السكان فيقطنون فى المنطقة الجنوبية ويعتنقون ديانات أخرى (5% الديانة المسيحية و 25% الديانات الروحانية).

 

والعلاقة بين مصر والسودان لها خصوصية ربما لا نجد مثلها بين الدول. فبالرغم من أن السودان له حدود مع تسع دول أفريقية منها أوغندا وكينيا وأثيوبيا والصومال وليبيا إلا أن مصر تحتل مكانة خاصة فى نفوس السودانيين. ومن المسلم به أن الدولتين الشقيقتين مصر والسودان قد حصلتا على الاستقلال سويا فى العَقد الأول من خمسينيات القرن المنصرِم، وربما تعرضت هذه العلاقة بين الدولتين لبعض الاهتزاز بفضل الرياح التى تأتيها من هنا وهناك إلا أنها ظلت قوية متماسكة عبر العصور.وقد تختلف الحكومات فى الرؤى والمواقف السياسية ولكن تظل العلاقة قوية بين الشعبين الشقيقين. فهناك صلة النسب والمصاهرة والدم بينهما، ومن الملاحظ أن السواد الأعظم من أهالى أسوان ترجع جذورهم إلى السودان. لذا لن يستطيع كائن من كان أن يؤثر سلبا على هذه العلاقة. وقد صدق الشاعر حين قال:

             أنى اغتربت بوادى النيل منتقلا          فالدار دارك والإخوان إخوان

 

 ولقد شهدت العلاقات بين البلدين انفراجة فرضتها الظروف والمتغيرات التى طرأت على الساحتين الداخلية والخارجية. فالسودان العزيز يمر بتجربة دقيقة وفترة انتقالية حساسة يتقرر بعدها مصير الجنوب. والتساؤل المطروح فى جميع المحافل: هل سيظل الجنوب جزءا من السودان الموحد أم سينفصل ويتحول إلى دولة مستقلة؟ هذا ما سيقرره أهل الجنوب بعد مضى ست سنوات منذ توقيع الاتفاق النهائى حول تقسيم السلطة والثروة فى السودان والذى تم توقيعه فى نيروبى فى التاسع من يناير 2005م.

 

  ومصر حريصة كل الحرص على وحدة السودان وتدرك أن مصير الدولتين مرتبطان ارتباطا وثيقا بحيث لا يستطيع طرف الاستغناء عن الطرف الآخر. أما أهم الأمور التى تحتم توطيد العلاقات بين الدولتين فيتعلق بأهمية الأمن القومى المشترك بين البلدين والذى يتلخص عناصُره فى المحاور التالية: المياه والعمق الإستراتيجي الأرضي والفضائي والبشرى.

 ومن الملاحَظ أن الدولتين حريصتان على تقوية ودعم العلاقات بينهما فى شتى المجالات،  فالسودانَ الشقيق يعد الدولةُ الوحيدةُ التى لديها قنصلية فى محافظة أسوان مما يدل على نمو حجم التبادل التجارى والذى قد يصل إلى حوالى80 مليون دولار سنويا. والجدير بالإشارة أن القنصليات لا تتوقف دورها عند تقوية العلاقات التجارية والاقتصادية بين الدول بل يمتد هذا الدور ليشمل العلاقات فى المجالات المختلفة: الثقافية والسياسية. والجدير بالإشارة أن هنالك ما يجعلنا نستبشر خيرا بمستقبل هذه العلاقات: فبالرغم من أننى تشرفت بلقاء الدكتور هاشم عبد الرازق قنصل السودان مرتين أو ثلاث مرات فقط إلا أننى استشعرت حُبَه الشديد لمصرَ شعباً وحكومةً وأيقنت أنه يحمل مشاعرَ المودة لأصدقاء وأساتذة مصريين ألتقى بهم منذ فترةٍ طويلةٍ. 

 

وتأكيدا لدعم العلاقات بين البلدين الشقيقين فى المجالات المختلفة فقد تم تشكيل لجنة مصرية سودانية يترأسها نائب الرئيس السودانى على عثمان طه ورئيس وزراء الحكومة المصرية الدكتور أحمد نظيف. وقد أصدرت هذه اللجنة أهم بنود الاتفاق التى تتصل بقضايا اقتصادية وثقافية وسياسية. ومن الملاحظ أن الجامعات فى البلدين قد تلعب دورا فعالا فى دعم هذه العلاقات. فالجامعات ليست فقط مراكز لتصنيع العقول والأفكار بل لتشكيل الوجدان والعواطف. ويتخرج من رحمها الرؤساء والوزراء وقادة الدول الذين يلعبون دورا مهما فى تحديد سياسات بلادهم مع الدول الأخرى. وهذا هو الأمر الذى يدفع المؤسسات الأمريكية أن تقدم المنح الدراسية لطلاب الشرق الأوسط. ومن الممكن أن تؤدى الجامعات المصرية والسودانية هذا الدور من خلال المحاور التالية:

1.    تبادل الزيارات بين أساتذة الجامعات المصرية والسودانية بهدف تبادل الخبرات

2.     وضع آلية لتبادل المؤلفات والبحوث بين الجامعات فى الدولتين

3.     السماح لطلاب الجامعات المتفوقين بزيارة جامعات الدولة الأخرى وتقديم منح دراسية لاستكمال الدراسات العليا.

4.    تستطيع الجامعات السودانية التى أنشئت حديثا الاستعانة بأساتذة مصريين من جامعة جنوب الوادى مثلا بدلا من الاعتماد على أساتذة من دول عربية أو أجنبية أخرى.

والجدير بالذكر أن كلية الآداب بأسوان قد قامت فى مطلع العام الحالى بعقد ندوة حول العلاقات بين مصر والسودان وقد شارك فيها اللواء سمير يوسف محافظ أسوان والسفير هاشم عبد الرازق قنصل السودان ولفيف من الأساتذة والطلاب وقد تناولت المناقشات المحاور الاقتصادية والثقافية والسياسية. وقد توصلت الندوة إلى أن الأمن القومى بين البلدين الشقيقين يتطلب مراعاة ما يلى:

1-              الدولتان تتعرضان لنفس المخاطر التى تهدد الأمن القومى، إذ تعتمد 85% من حصة الدولتين من المياه على النيل الأزرق الذى ينبع فى أثيوبيا والتى لها علاقات قوية مع إسرائيل الذى استطاع أن يتغلغل فى القرن الأفريقي.

2-               لا يجب أن تختزل العلاقة بين البلدين فى قضية المياه. إذ يتطلب الأمر ضرورة التعاون والشراكة والتنسيق فى جميع المجالات: السياسية والاقتصادية والثقافية ولا يجوز الاهتمام بمجال دون الآخر.

3-              ضرورة غلق كل الأبواب التى تؤدى إلى سوء الفهم بين البلدين وتأكيد نقاط الاتفاق والعمل على تطويرها.

4-               لابد أن تتضافر الجهود للمحافظة على وحدة السودان والعمل على إبعاد شبح التقسيم الذى تسعى إليه قوى خارجية.

5-               ندعو الله أن يوفق السودان فى إيجاد حل حاسم لأزمة دارفور وسد الجيوب التى قد تتسلل منها الصراعات الداخلية والتدخلات الأجنبية.

 

إذا حققنا هذه الأهداف نكون بذلك قد أدينا دورنا تجاه الأجيال القادمة فى البلدين الشقيقين