الرسائل العلمية ودورها فى تطور البحث العلمى

                                                               د. أحمد سوكارنو عبد الحافظ

 

تعددت الانتقادات الموجهة إلى الجامعات المصرية الحكومية والخاصة التى أدرجت فى مراكز متأخرة فى  ترتيب الجامعات الأفريقية والعالمية،  فالقاهرة العريقة تحتل المرتبة رقم 28 أفريقيا (رقم 4965 عالميا) وتأتى جامعة أسيوط رقم 70 إفريقيا  (6627 عالميا) وجامعة جنوب الوادى رقم  89 إفريقيا (7151 عالميا) وجامعة طنطا رقم 91 إفريقيا (7207 عالميا) وجامعة المنوفية رقم 92 إفريقيا (7215 عالميا) وجامعة الزقازيق  رقم94 إفريقيا (7229 عالميا) وأما جامعة المنيا فتحتل رقم 97 إفريقيا (7273 عالميا)، وتجدر الإشارة أن جنوب إفريقيا التى سبقتنا فى تنظيم مونديال 2010 قد سبقتنا فى التعليم أيضا، إذ أن معظم جامعاتها تتصدر الجامعات الإفريقية فى الترتيب القاري والعالمي،  بيد أن هذا التصنيف الذى أشرنا إليه آنفا يعتمد على فحص الموقع الإلكترونى للجامعة على شبكة المعلومات ولا يرتكز على معايير علمية خالصة. وكذلك لم تجد الجامعات المصرية والعربية مكانا لها بين أفضل خمسمائة جامعة فى العالم. والغريب أن الدولة الأفريقية الوحيدة التى لها جامعات فى قائمة الخمسمائة هى جنوب أفريقيا التى لها أربع جامعات متميزة. والخطير فى الأمر أن إسرائيل لها خمس جامعات فى هذه القائمة، إحداهما تأتى ضمن المائة أفضل جامعة على مستوى العالم (ترتيبها رقم 78) وهى الجامعة العبرية بالقدس والتى حصل أحد أساتذتها (روبرت أومان) على جائزة نوبل فى الاقتصاد لعام 2005م.  وقد طرح المسئولون فى مصر آراء متعددة لتفسير هذا الغياب العربى والمصرى من قائمة الجامعات الخمسمائة، منها أن المعايير التى تم تطبيقها فى تصنيف أفضل خمسمائة جامعة على مستوى العالم لم تكن موضوعية أو عادلة وأن القائمين على هذا التصنيف اعتمدوا على الاستبيان واستطلاع آراء الأسر التى تسعى لاختيار الجامعات المتميزة لأبنائها. وقد وددت أن أتعرف على هذه المعايير من خلال شبكة المعلومات فوجدت أن المؤسسة الصينية (جامعة جياو تونج بمقاطعة شنغهاى) التى قامت بهذا التصنيف اعتمدت على المعايير التالية:

1. قدرة خريجي الجامعة وأساتذتها على نيل الجوائز العالمية (مثل جائزة نوبل)

2. الأبحاث المتميزة لأساتذة الجامعة كما هى مدرجة فى القوائم العلمية وقائمة العلوم الاجتماعية والإنسانيات ومعدل اقتباس الباحثين من هذه الأبحاث العلمية.

3. الأداء الأكاديمي للجامعة مقارنة بحجمها.

والجدير بالذكر أن الأبحاث العلمية وجودتها تأتى فى مقدمة المعايير التى تؤدى الى تميز جامعة عن أخرى. ومن نافلة القول إن رسائل الماجستير والدكتوراه تعد باكورة البحث العلمى للباحث المبتدئ الذى يسعى الى شق طريقه فى ميدان الأبحاث العلمية. و(من المفروض أن) يعتاد الباحث خلال رحلة البحث العلمى على قيمتين مهمتين: (1) كيفية الحصول على المعلومات من مصادر متعددة. (2) كيفية التصرف فى هذه المعلومات: اقتباس أو تحليل أو نقد. ومن المسلم به أن هنالك مصادر مختلفة للمعلومات، أهمها الكتب والدوريات العلمية والإنترنت. ومن المتوقع أن يتحلى الباحث بالأمانة العلمية عند توظيف المعلومات التى يحصل عليها، فالأمانة العلمية تقتضى أن يشير إلى مصادره سواء اقتبس أفكار أو كلمات الآخرين. إن عدم الاعتراف بهذه الحقوق تدفع الأطراف المتضررة إلى اتهام الباحث بالسرقة العلمية ويلقى بظلال من الشك على سائر أعماله السابقة واللاحقة لواقعة السرقة العلمية ويؤدى إلى انهيار سمعة الجامعة التى ينتمى إليها فى الأوساط الأكاديمية ومن ثم تتدنى مكانتها فى الترتيب العالمى والاقليمى.

 

ومن الملاحظ أن مستقبل البحث العلمى فى مصر مازال يكتنفه الغموض, إذ دأب بعض الباحثين الجدد الاتجاه إلى شبكة المعلومات كمصدر رئيسى للمعلومات. وأقر بداية بأنه لا غضاضة فى ذلك ولا اعترض على استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة والتى صممت لخدمة البحث العلمى فى كل مكان. ولكن الخطورة تكمن فى تلك الوفرة المعلوماتية التى تقدمها الشبكة والتى قد تغرى الباحث على استغلال ما يحصل عليه من بيانات أو معلومات دون الإشارة إلى مصادرها. أعلم أن هناك رسائل ماجستير ودكتوراه تتخللها حالات من السطو العلمى المتعمد من شبكة المعلومات. ومن الصعب اكتشاف كل الحالات لأن الباحث قد يلجأ إلى أساليب مختلفة لإخفاء ما ارتكبه، فقد يتعمد تغيير كلمات معينة حتى تتغير ملامح النصوص المقتبسة ويصبح من الصعوبة بمكان اكتشاف مواقعها ومصادرها على الشبكة. وتزداد الأمور صعوبة وتعقيدا إذا ما لجأ الباحث إلي الترجمة، فعندئذ يصبح من المستحيل إثبات السرقات العلمية. والجدير بالذكر أن هذه المشكلة أصبحت دولية وتسعى الجامعات فى دول العالم للقضاء عليها وذلك بعد أن تفاقمت أعداد المواقع الإلكترونية التى تقوم بالإعلان عن استعدادها لإعداد رسائل علمية حسب طلب الباحثين وذلك مقابل دفع مبلغ من المال. لقد اكتشف الأساتذة الجامعيون فى الجامعات الأوربية والأمريكية هذا الأمر مما دفعهم إلى اتخاذ عدة إجراءات:

(1)               التنبيه على الطلاب بضرورة الإشارة إلى مصدر المعلومات الواردة من شبكة الإنترنت.

(2)               تدريب الطلاب على كيفية توثيق المعلومات التى يحصلون عليها من الشبكة من خلال الإشارة الى الموقع الذى يتضمن تلك المعلومات.

(3)               المطالبة بتغليظ عقوبة السرقة العلمية بحيث تصل إلى الفصل النهائى من الجامعة.

(4)                تحذير الطلاب بأن هناك مواقع إلكترونية تساعد على اكتشافات حالات السطو العلمى.

 

وهناك أمر مهم يتعلق بنفقات مناقشة الرسائل العلمية، خاصة فى الجامعات الإقليمية. فمن المعروف أن الباحث فى هذه الجامعات يتحمل تذاكر سفر أعضاء لجنة المناقشة وإقامتهم.  فماذا تنتظر من لجنة مناقشة تحمل الباحث نفقات سفر وتغذية وإقامة ممتحنيه؟ ولا ننسى الوليمة وأحيانا الهدايا التى تقدم بعد المناقشة. والجدير بالذكر أن أهل وأقارب الباحث يدركون تفاصيل هذه الأمور ويترقبون النتيجة وهى تتلخص فى التغاضى عن سرقات الإنترنت وتقدير امتياز أو مرتبة الشرف الأولى مع التوصية بطبع الرسالة. ونحمد الله أن هذه التوصية لا تأخذ بها الجهات المعنية لأنها سوف تكون فضيحة بكل المقاييس. ومن الإنصاف أن نشير هنا إلى أن بعض رؤساء الأقسام فى الكليات العملية يعملون على ألا يتحمل الباحث المصاريف التى تتعلق بالمناقشة، إذ يتولى رئيس القسم تحمل نفقات الوليمة التى تعد بعد المناقشة. كما أن هناك بعض الأساتذة المشاركين فى المناقشة لا يقبلون هذه الأوضاع. أعرف أستاذا رفض الإقامة على نفقة الباحث وأصر على الإقامة فى استراحة الجامعة، وأصر على التنازل للباحث عن بدل السفر المقرر له من قبل الجامعة.

 

إن اهتمام الدولة بالبحث العلمى ينبغى أن يتعدى ويتجاوز الشعارات التى طالما قمنا بترديدها. ومن أهم الجوانب التى فى حاجة الى إصلاح وإعادة نظر هى تلك التى تتعلق برسائل الماجستير والدكتوراه لأن هذه المرحلة تمثل الحلقة الأولى لمراحل تكوين باحث متميز. والسؤال الذى ينتظر إجابة: لماذا لا تقوم الجامعة بتحصيل رسوم مناقشة من الباحثين على أن تتخصص هذه الرسوم لنفقات المناقشة من تذاكر سفر ومعيشة؟ وقد يقول قائل إن هذا سوف يضاعف الأعباء على الباحثين، بيد أن هذا القول مردود عليه، إذ أن الباحثين فى معظم الكليات الإقليمية يقومون بالإنفاق على مناقشة رسائلهم ويتكبدون مبالغ باهظة قد تصل إلى آلاف الجنيهات، هذا الوضع أفضل من ترك الباحث ينفق على الممتحنين الذين يتولون فحص رسالته مما يجعل الأستاذ يشعر بالحياء عند توجيه النقد للباحث أثناء المناقشة.