لماذا يتقدم الغرب ويتخلف المسلمون؟

                                                                              

انزعج الكثيرون عندما لم يجدوا أية جامعة عربية أو إسلامية فى قائمة الجامعات العالمية، ولا أدرى ما سبب هذا الانزعاج أو العويل على حال جامعاتنا.  ومن الغريب أن من تصدوا لهذا الأمر لم يمعنوا النظر فى الدول والأمم التى تحتضن تلك الجامعات التى تتصدر القائمة، وهى فى معظمها دول غربية يتمتع أهلها بالديمقراطية والحرية بينما معظم الشعوب العربية لم تتذوق حرية التعبير وحرية اختيار من يحكمها. وبالرغم من أن هذه الدول الغربية تدار وفق معايير الديمقراطية والحرية السياسية التى ساهمت فى تقدمها وتفوق جامعاتها ومؤسساتها العلمية إلا أن هناك أمور أخرى نغفل دائما فى تحديدها أو الإشارة إليها، وهى أمور تتعلق بالمبادئ الأخلاقية التى دأبنا على ترديدها وتلقينها لأطفالنا سواء من خلال المؤسسات التعليمية أو الدينية، ورغم ذلك لم تنجح هذه المبادئ فى أن تجد مكانا لها فى الشارع العربى أو الإسلامي.   

لقد صدق الإمام محمد عبده حين قال بعد عودته من فرنسا: ذهبت إلى بلد وجدت فيه الإسلام ولم أجد مسلمين وجئت إلى بلد وجدت فيه مسلمين ولم أجد الإسلام، ويقصد بالبلد الأول فرنسا التى زارها أما البلد الثانى فهى مصر قلب الأمة العربية وعقلها المدبر. والجدير بالذكر أن السواد الأعظم من مواطنى الدول الغربية يطبقون مبادئ إسلامية راسخة رغم أنهم لا يعتنقون الديانة الإسلامية. ومن أهم تعاليم الإسلام التى تطبق فى هذه الدول هى الوفاء بالوعد والصدق فى القول والأمانة.

ومن الملاحظ أن معظم مواطنى هذه الدول اعتادوا على احترام الوعود والوفاء بها. أذكر أننى كنت على موعد مع أستاذة بجامعة نيويورك تتولى الإشراف على رسالتى العلمية وتأخرت خمس دقائق فقط، فلم أجدها. ورغم أن هذه فترة زمنية لا قيمة لها فى ثقافتنا إلا أنها تعنى الكثير فى الثقافات الأخرى.

وربما يعتقد البعض أن الدول التى يقوم اقتصادها على الرأسمالية واقتصاد السوق تفتقر إلى قيم أخلاقية كالصدق والأمانة. ورغم أن مثل هذه الأفكار تسود وتنتشر بين الخاصة والعامة فى بلادنا إلا أنها لا تعكس طبيعة الحياة فى تلك البلاد حيث تحرص الشركات والمؤسسات التجارية على كسب ثقة المواطنين من خلال تطبيق مبادئ الصدق والأمانة. اذكر أننى كنت أتجول فى إحدى المحلات التجارية الكبرى فى مدينة من مدن ولاية نيويورك وهى مدينة بفلو المتاخمة للحدود الكندية وذلك لشراء قميص، فعثرت على قميصين مماثلين لا يختلفان إلا فى السعر، فأحدهما قيمته عشرون دولارا والآخر –أرجو ألا يندهش القارئ العزيز—لا يتجاوز سعره عن دولارين. وأمضيت الوقت وأنا افحص القميصين لعلنى أجد مبررا لهذا التباين فى السعر. ولما باءت كل محاولاتى بالفشل توجهت إلى الموظف المختص الذى بين لى أن هناك عيبا فى تصنيع القميص ذى السعر المنخفض ولا يمكن تحديد هذا العيب بالعين المجردة. فهذا الموقف يوضح بجلاء أن الصدق والأمانة من أهم القيم والمبادئ التى يحرص عليها أصحاب المال ورجال الأعمال.

أما الكذب فى هذه البلاد فجريمة لا تغتفر حتى إذا اقترفه السياسيون. ففى السبعينيات من القرن الماضى اضطر الرئيس ريتشارد نيكسون إلى تقديم استقالته فى أعقاب فضيحة ووترجيت، وكان الذنب الذى ارتكبه الرئيس الأمريكي هو محاولته إنكار صلته بجريمة التجسس على مقر الحزب الديمقراطى الكائن بمبنى "ووترجيت" فى العاصمة واشنطن وقد أثبتت التحقيقات تورطه فى هذه الفضيحة. ولم يكن نيكسون هو السياسى الوحيد الذى لجأ للكذب دفاعا عن نفسه. فقد حدث فى الثمانينيات أن توجه مرشح الرئاسة الديمقراطى جارى هارت إلى رحلة على متن يخت يمتلكه أحد أصدقائه وبصحبتهما فتاتين، فلما سأل أحد الصحفيين هارت عن هذه الواقعة فى مؤتمر صحفى يبث وقائعه على الهواء مباشرة أنكر معرفته وصلته بالفتاة التى كانت بصحبته، فاخرج له الصحفى صورة الفتاة وهى جالسة على ركبتيه، فاسقط فى يده واضطر على أثرها إلى الانسحاب من حلبة الانتخابات الرئاسية بل انسحب كليا من الساحة السياسية.

ومن الملاحظ أن قيم الوفاء بالوعد والصدق والأمانة من المفروض أن تكون ذات أهمية بالغة للمسلمين الذين يتخذون من القرآن والسنة منهاجا ونبراسا لهم فى الحياة، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم أية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد اخلف وإذا أؤتمن خان. ومما سبق يتضح لنا أن المجتمعات التى لا تعتنق الديانة الإسلامية تطبق القيم والمبادئ الإسلامية وتؤمن بمبادئ الديمقراطية والحرية ومن ثم تأتى فى مقدمة الدول حضاريا وعلميا وتتصدر جامعاتها ومعاهدها العلمية قائمة الجامعات العالمية. وفى المقابل نجد أن المواطنين فى الدول العربية على النقيض من ذلك تماما: فرغم أن معظمهم يتخذون الإسلام دينا إلا أنهم لا يعتنقون القيم والمبادئ والأخلاقيات الإسلامية ولا يؤمن حكامها بالديمقراطية والحرية ومن ثم لا تجد جامعاتها ومؤسساتها العلمية مكانا لها بين جامعات العالم.