القانون والمواطنة

لكى تستقيم الأمور فى بلد ما لا بد أن يكون القانون هو المنظم للعلاقة بين المواطنين بكافة فئاتهم. ففى البلاد المتقدمة علميا وحضاريا واجتماعيا نجد أن هنالك طرفين فى الدولة: مواطنون وقانون يحكم ويفصل بينهم. أما القائمون بشؤون القانون فيتوقف دورهم عند تنفيذه دون تجاوز وإذا حدث ذلك يتعرضون للعقاب وفقا للقانون الذى يتولون تنفيذه. أما فى بلادنا فهنالك طرفان فيما يتعلق بمسألة الحقوق والواجبات: طرف يملك القوة والسلطة ويتحمل مسئولية الحفاظ عن الحقوق وطرف آخر لا يملك السلطة أو القوة وفى الكثير من الأحيان يحتمى بالطرف ذى السلطة إذا شعر أن ماله أو عرضه أو حياته فى خطر.

 

تذكرت كل ذلك وأنا فى انتظار قطار الساعة السابعة صباحا والمتجه شمالا إلى مدينة قنا. ونظرا لأننى استيقظت مبكرا ولعلمى باختفاء أو انقراض القطارات التى تأتى فى موعدها قررت الجلوس فى مقهى قريب من محطة القطار حيث جلست احتسى كوبا من الشاى وتصادف أن يقع هذا المقهى على مقربة من نقطة تفتيش فى طريق أسوان--القاهرة. لقد شاهدت العجب العجاب فيما يتعلق بأسلوب العمل فى نقطة التفتيش:

أولا:- القائمون بفحص الرخص والتفتيش أمناء شرطة أو مندوبون يرتدون ملابس رسمية وغير رسمية ولا يوجد أمام النقطة ضابط يتولى الإشراف على عمل هؤلاء الموظفين الحكوميين. ثانيا: إذا كان قائد السيارة من معارف أحدهم فعندئذ يتوقف ليتبادل القبلات الحارة مع أمين أو مندوب الشرطة غير عابئ بالسيارات التى تتوقف خلفه ويتعطل أصحابها عن الأعمال التى يتجهون إليها. ثالثا: لا يتوانى هؤلاء "المسئولون" عن تحصيل إتاوات من المركبات التى تنقل الماشية وخاصة فى الأيام المخصصة للأسواق كيوم السبت (سوق السيالة) ويوم الثلاثاء (سوق دراو) ويوم الخميس (سوق كوم أمبو). وكما عرفت من بعض مصادرى فإن هؤلاء يتقاسمون هذه الإتاوات فيما بينهم داخل مطعم بسيط مجاور حيث يتناولون وجبة الغداء ويرفضون الدفع أو يطلبون تأجيله إلى أجل غير مسمى، وعندما اشتكى أحد العاملين بالمطعم إلى الضباط من هذه التصرفات قال له أحدهم: توقف عن تقديم وجبات مجانية لمن يمتنع عن الدفع. رابعا: يوقف أحدهم سيارتك لكى يطلب منك توصيل أحد أقاربه أو معارفه مجانا.

 

والجدير بالإشارة أن سلبية المواطنين هى التى تشجع هؤلاء فى التمادى، إذ يعتقدون أن ما يفعلونه لا يخالف القانون: فالمواطن صاحب المطعم الذى يخشى أمناء الشرطة وبطشهم ولا يتوقف عن تقديم الوجبات المجانية كما قال له ضابط النقطة هو إنسان سلبى لا يدافع عن حقوقه ويشجع الآخرين على اغتصاب هذه الحقوق وحقوق غيره من المواطنين. المواطن الذى يحمل ماشية فى سيارات نقل بطريقة قانونية لماذا يدفع إتاوة ويساهم فى تقديم نماذج وتصرفات غير مقبولة فى قارعة طريق عام يشاهده السياح والشباب. صاحب السيارة الأجرة الذى يلتزم بالتعريفة وتعليمات المرور لماذا يدفع إتاوة لهؤلاء.

 

والسؤال: لماذا يترك هؤلاء يعربدون فى قارعة الطريق دون رقيب او حسيب؟ ولمصلحة من تترك الأمور لتصل لدرجة من الاستفزاز لا يمكن تحمله ولا نجنى منه سوى سخط وغضب أصحاب السيارات؟ ولمصلحة من جمع الإتاوات وممارسة ما يسمى ببلطجة السلطة وتغييب القانون من أفراد يفترض انهم يمثلونه فى الشارع.