شخصيات من النوبة فى مصر والسودان

ربما لا يدرك بعض أفراد الشعب فى مصر العلاقة بين الجماعات النوبية فى مصر والسودان ويعجز بعض سكان قاهرة المعز عن التمييز بين أهل النوبة وأشقائنا من شمال السودان عندما يجولون شوارع المحروسة. والجدير بالإشارة أن القرب الجغرافى لا يعكس الصلة الثقافية بين الجماعات النوبية التى تقطن مصر: فجماعة الكنوز فى النوبة المصرية ترتبط ثقافيا ولغويا مع الدناقلة فى السودان أكثر من صلتها مع جيرانها كقبيلة العرب التى لا تتحدث أية لغة نوبية أو جماعة الفاديجا التى تحتفظ بصلات لغوية وثقافية مع أهل المحس فى شمال السودان، ومن المعروف أن الشخصيات المتميزة التى تنتمى الى مجتمع النوبة فى مصر والسودان ظلت بعيدة عن الأضواء لأسباب مختلفة لا نريد الخوض فيها وهذه الشخصيات التى ستأتي ذكرها لاحقا ساهمت فى مجالات مختلفة: سياسية وثقافية واجتماعية. ومن الأهمية بمكان أن نشير إلى دورهم فى الحياة لكى نقدم القدوة للشباب الذى ربما صدق الصورة التى رسمتها الأفلام والمسلسلات الهابطة منذ عشرات السنين، وهى صورة نمطية كاذبة تختصر المجتمع النوبى فى شخصيات هامشية محددة لا تعكس حقيقة أهل النوبة على أرض الواقع، كما أشرنا فى مقالات سابقة. وفى هذا الصدد أود أن أشير إلى مصدرين مهمين ساهما فى تقديم هذه الشخصيات: كتاب الشاعر محى الدين صالح (من أعلام النوبة فى القرن العشرين) وكتاب العالم الألمانى رومان بوشكا (النوبيون فى مصر والسودان).

من المسلم به أن النوبة تضم فى صفوفها أصحاب المهن: كأساتذة الجامعات و المحامين والأطباء والمدرسين والمهندسين (باختلاف تخصصاتهم). وأذكر هنا بعض الشخصيات النوبية فى مصر على سبيل المثال لا الحصر ومنهم اللواء محمد عثمان فقير الذى تم انتدابه لإعادة تنظيم القوات البحرية حسب مبادئ الثورة والمرحوم الدكتور يونس صالح سليم عالم الذرة الذى حصل على جائزة الدولة التقديرية ومن رجال الصناعة جمعة جمال صالح ابن ارمنا الذى ساهم فى إنشاء الشركة العربية للعبوات الدوائية سنة 1982م. ومن رجال الثقافة المرحوم محمد شاهين حمزة ابن قرية الديوان الذى أتحف المكتبة العربية والإسلامية بمجموعة من الكتب القيمة..منها (رحلة إلى السودان-حقوق الإنسان بين الشرق والغرب—مع الفكر الإسلامي—الروحية الحديثة—هذا هو الله)، ومن رجال الفن يتصدر القائمة الفنان أحمد عثمان ابن قرية عنيبة النوبية " الذى حصل على درجة الدكتوراه فى فن النحت وساهم فى إنشاء كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية"ومن أعماله المنحوتة النحت البارز لحدائق الحيوان بالجيزة وحوائط محطة سراى القبة  (عام1937) ونادى ضباط الجيش بالزمالك وواجهة مبنى الكونسرفتوار وتمثال الشاعر أحمد شوقى بالقاهرة (عام 1960) والنصب التذكارى لميدان الجمهورية بمحطة الإسكندرية وتمثال النزهة والنحت البارز على واجهة مصلحة المساحة العسكرية بالقاهرة وكان هذا الفنان صاحب المشروع العربى لنقل معبد أبى سمبل ونال جائزة الدولة التقديرية، ومن الروائيين محمد خليل قاسم الذى كتب رواية "الشمندورة" وهو فى سجن الواحات ومن الشعراء حسين روم وعبد الدايم محمد طه ومحمود محمد خليل شندى وجيلى عبد الرحمن ومحمد عبد الرحيم ادريس المحامى ابن الديوان الذى لقب "بشاعر النوبة"،  ومن الفنانين الذين حصلوا على جوائز عالمية نخص بالذكر حمزة علاء الدين وحسن فخر الدين وعلى كوبان. ويقول روبرت فرنيا أستاذ الأنثروبولوجيا بجامعة تكساس فى كتابه (النوبيون المصريون: شعب مسالم): "عندما نضع فى الاعتبار حقيقة أن النوبيين انضموا إلى الاقتصاد الحضرى فى مصر منذ أكثر من خمسين سنة وهم يعانون من الأمية ولا يتحدثون اللغة العربية... فإن الإنجازات التى نجحوا فى تحقيقها تستحق مزيداً من البحث والتأمل".

         أما النوبيون فى السودان فيشغلون مناصب مهمة، فالنوبيون يعملون كوزراء ونواب وزراء ومحافظين ودبلوماسيين وكسياسيين. فمن النوبيين، على سبيل المثال لا الحصر، رئيس الوزراء عبد الله خليل (1956-1958)، والده من قرية بلانة فى مصر، وصادق المهدى (رئيس وزراء السودان الأسبق (1986—1989)) من الدناقلة وهو حفيد محمد أحمد المهدى، الشخصية الدينية البارزة فى القرن التاسع عشر، ومحمد أحمد محجوب رئيس الوزراء (1967-1969) من المحس، وجعفر النميرى رئيس الجمهورية الأسبق (1969-1985) من الدناقلة ونائب رئيس الجمهورية السابق الزبير محمد صالح من الدناقلة، وسيد أحمد الجاك (وزير الإعلام الأسبق) من الكنوز وخالد حسن عباس من الكنوز (وزير الدفاع الأسبق ونائب رئيس الجمهورية بعد عام 1969 ثم تولى وزارة الصحة فى عام 1976)، وزين العابدين محمد (وزير الإعلام الأسبق) من المحس وإبراهيم أحمد (وزير المالية الأسبق) من الحلفاوين ومحمد توفيق (وزير المالية والشئون الخارجية الأسبق) من الحلفاويين.

وهذه الشخصيات استطاعت أن تتفوق فى مصر والسودان ونالت من الحكومات كل التقدير والثناء. ومن نافلة القول إن تفوق ونبوغ هذه الشخصيات ما كان ليتحقق لولا رعاية الدولة والحكومة المصرية والسودانية، مما يبين أنها حصلت على فرصتها ومكانتها فى أجواء خالية من التعسف والعنصرية. وما يدعو للأسف أن السينما والتلفزيون المصرى يساهمان فى تشويه الصورة الحقيقية لبلد يخلو من التعصب والعنصرية التى تعانى منها مناطق عديدة فى العالم ومع ذلك تتسابق وسائلهم الإعلامية فى تقديم صورة طيبة عن بلادهم، وهى صورة ربما غير معبرة عن طبيعة الأوضاع على أرض الواقع.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

محى الدين صالح.

     - من أعلام النوبة فى القرن العشرين،الجزء الأول، القاهرة، 2000م

 

 

 

Peschke, Roman. 1996. Nubians in Egypt and Sudan: Constraints and Coping

        Strategies. Saarbrucken: Verlag fur Entwicklungspolitik.